الأحد، 13 مايو 2012

عباءة الملك عبد العزيز في برلين


جمال خاشقجي

كنت في برلين الأسبوع الماضي في رحلة عمل، ولكني عرجت على «جزيرة المتاحف»، وهي منطقة في قلب العاصمة الألمانية تضم بضعة متاحف عريقة، ولكونها محاطة بنهر وقنوات مائية سموها جزيرة المتاحف، زرت متحفاً يعرض آثار ما قبل الإسلام في المملكة، ومعظمها مما اكتشفه الأثاري السعودي المعروف الدكتور عبدالرحمن الأنصاري في قرية الفاو، بالإضافة إلى آثار أخرى محفوظة بجامعة الملك سعود وهي وغيرها من الآثار بحاجة إلى المتحف الوطني السعودي الهائل والمنتظر لجمع آثار بلادنا العريقة.
أبرز ما عرض هي تماثيل صخرية ربما كانت أصناماً تعبد، ولكن يجب ألا ننشغل بحلالها وحرامها، إنما هي آثار نقرأ من خلالها كيف عاش سكان صحاري الجزيرة الذين أقاموا مدناً وحضارات على طرق التجارة القديمة، غير أنه لفت انتباهي أمران، الأول هو قسم في المتحف يستعرض بعضاً من تاريخ المملكة المعاصر ضم متعلقات للملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، عباءته، عدة الصيد وقفازات ومساند الصقور «لابد أن لهذه الأشياء أسماء تخصها» وأوراق وكتب، الأمر الآخر أوراق ومتعلقات مستكشف ألماني أمضى وقتاً في بلادنا، هذه المتعلقات مهمة هي الأخرى كالآثار التي اكتشفها تحت الرمال، إنها تاريخ معاصر، سجل بها المستكشف انطباعاته، متعلقاته تقربنا أكثر إليه والأجواء التي عاشها، وكذلك متعلقات الملك المؤسس تربطنا بمرحلة تاريخية، تجعلنا نفهم أفضل كتب التاريخ التي نقرأها ولا يمنع ذلك من تعلق «عاطفي» بصاحب المتعلقات فهي نزعة طبيعية يجب ألا نرهبها خاصة نحن السعوديين بفضل المنهج السلفي القويم الذي يشكل ثقافتنا والتي تحيي في أنفسنا قصر العبادة والتعلق إلا بالله، هذه في مسائل الدين والعبادة ولكن المتعلقات الشخصية باتت جزءاً من ثقافة المتاحف والاستكشاف.
فكثيراً ما نسمع عن رسالة بخط شخصية عامة تباع بمبالغ خيالية لشخصيات عامة، بل ما مدون ذلك من متعلقات شخصية، فكيف بشخصيات بقامة الملك عبدالعزيز، في الرياض وفي مبنى خيرية الملك فيصل بجوار فندق الفيصلية المشهور، يوجد متحف أنيق للملك فيصل، سمعت أن أبناءه القائمين عليه ينوون التوسع فيه ونقله إلى قصر الملك فيصل التاريخي والذي لا يزال كما تركه المرحوم بأثاثه ومحتوياته، وقد دعيت مرة إلى حفل عشاء فيه فتركت الحضور وأخذت أتجول بناظري فيه، إن تفاصيل النوافذ والستائر تاريخ، فكيف بالكتب والصور، ما زلت أتذكر بأسى أحياء المدينة المنورة التي نشأت فيها وهدمت، وما زلت مقتنعاً أنه كان بالإمكان إنقاذ الكثير منها.
في متحف الملك فيصل كثير من متعلقاته التي تهم أي باحث تاريخي، منها بيت شعر لا أذكره ولكن كان فيه مناجاة لله وجده أبناؤه في جيب ثوبه يوم استشهاده، ومعروض ضمن عشرات من المتعلقات في المتحف.
في بريدة أنشأ محبو الشيخ محمد بن عثيمين متحفاً لمتعلقاته، بعضها كان بسيطاً، مجرد أقلام حبر ملونة، لا بأس، إنها تاريخ لمن يهمه صاحبها، يجب أن نتخلص من شبهة التداخل بين التاريخ والتقديس، بدون الحاجة أن نذهب بعيداً إلى برلين لعرض متعلقات مؤسس البلاد وكذلك كل ما يمكن استنقاذه من تاريخ الإسلام ومكة والمدينة... مرة أخرى إنه تاريخ وآثار وليس تقديساً.
المصدر / http://www.rotanamags.net

0 التعليقات:

إرسال تعليق

قوالب بلوجر
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More